Facebook Twitter Addthis

التصنيفات » البرامج » الصحة النفسية » تثقيف نفسي

القصة: تربية غير مباشرة


قصة أحملها مدى الحياة

"كم بت اتو؟" قصة لطالما سمعتها من جدتي و لايزال أثرها سارياً وأعود اليها في مواقف عديدة. قد تعتقد أن عنوان القصة كُتب بشكل خاطئ, لكن لا, هو مثلما كُتب! "كم بت اتو؟".
 تدور أحداث القصة عندما كانت جدتي صبية في ريعان شبابها, خرجت هي و أخواتها في رحلة الى الجبل. أثناء رحلتهم في "البوسطة" اقتربت منهم إمرأة طاعنة في السن و سألتها: "كم بت اتو؟". تلفتت جدتي الى أخواتها مستفهمة, لعلهن أدركوا ماذا قالت العجوز, لكن علامات الاستفهام على وجوههن أيضا. أدارت جدتي وجهها نحوها و قالت أنها لم تفهم ماذا تعني. أردفت العجوزببطء شديد محاولةً لفظ كل حرف: "كم بنت أنتو؟" ضحكن جدتي و أخواتها وأجبنها: "نحن ثلاث بنات من البسطة التحتا". 
طبعاً لم تنتهي القصة هكذا, فهدف جدتي لم يكن فقط إضحاكنا عبر سؤال "كم بت اتو؟" إنما أرادت الإشارة لنا بأنه بالرغم من وجودنا في لبنان  وهو بلد صغير, إلا أنه هناك اختلافات بيننا  وكيف إذا كانت باللغة الواحدة التي نستعملها. لطالما حثّتنا جدتي على تقبل الآخر كيفما كان. كانت  تقول لنا: "لكل إنسان تجاربه في الحياه لا يفقهها أحد إلا صاحبها. و بذلك علينا احترام الآخر كيفما كان ويكون وأن نسعى لأن نرى الأمور من منظارهم أيضا". 
قد يظهر المقال على أنه قصة عند جدتي. لكن الهدف من هذه المقدمة هو الإشارة الى  تأثير القصة عليّ. تعتبر القصة من الأدوات التربوية المهمة التي على كل أم و أب اعتمادها. عبر القصة يستطيع الأهل إيصال مفاهيم حياة ثابتة لهم وتبقى القصة مع أطفالهم مدى الحياة. يشير الباحث إدموندسون (1971)  أن هناك حوالي 3000 آلاف لغة, و لكن فقط 106 لغات من  أصل هذه اللغات تُكتب. و أما الباقي فقد كانت القصة هي لغة حفظها و أحد الاسباب في استمرارية  وجودها. كما يشير برنجر (2007) أن هناك قوة مستدامة للقصة في حياة الفرد و تساعده بالتعافي مع مرور الزمن.
تعتبر رواية القصة أو فعل "الحكواتي" من الأمور العالمية للتواصل الإنساني و تعتبر الصيغة الشفوية من الأمور الأبدية في الوجود الإنساني (أونج, 1972). كانت و ماتزال القصة وسيلة الانسان في إيضاح الأمور بمختصر الكلمات بقالب سلس وسهل يُقدم للأطفال والكبار على حد سواء. فكيف يمكننا نحن كأهل أن نستعملها كوسيلة في التربية؟
يقول الباحث هليكر (2007), "إن ما يُشكل حياتنا ويصنع قالبها هو القصص التي نعيشها". "الحكواتي" هو فن أو فعل إلقاء القصة. والهدف من أي قصة أن تقدم فكرة أو سلوك بديل للفرد الذي يعيش ضمن بيئة وتربية معينة. فبحسب جوبر (2007), "الحكواتي" تُعتبر من الآليات الأقوى في العالم في تحقيق نتائج مذهلة". فالطفل يستطيع أن يتخذ موقع البطل في القصة ويواجه المواقف التي يتعرض لها البطل. وبذلك يُقربها الى واقعه المُعاش ويستخلص منها عبرة لحياته اليومية. 
الوالد أو الوالدة أيضا لهما تأثير كبير في اتحاذ دور الحكواتي.  فإلى جانب سرد القصة, يتخذون دور الراوي للقصة. والراوي الفعال هو من لدية المقدرة على فهم مستمعيه ومعرفتهم ومعرفة ما يهتمون له و ما يريدون أن يسمعوه (جوبر, 2007). وانطلاقاً من ذلك يستطيع الأب والأم التأثير على أطفالهم بسبب درايتهم بأحداث حياتهم وما هي العبرة التي يودوون ايصالها لهم عبر القصة المروية.
سنقدم بعض الخطوات التي من الممكن للأب والأم أن يعتمدوها حين يروون لأطفالهم قصة ما: 
سرد القصة (لابد أن يكون مشوقاً محفزاً لافتا للطفل.
شرح مفصل ان كان هناك حاجة في مقاطع معينة بالقصة.
نقاش بين الطفل والوالد أو الوالدة بعد الإنتهاء من القصة. 
في عصرنا الحالي ومع الزخم الذي يهطل علينا من التلفاز, يستطيع الأهل استعمال الأدوات المرئية  والسمعية أثناء سرد القصة. كذلك يستطيعون أن يبنوا القصة التي يريدون عبر الخطوات العملية التالية:
o كتابة القصة بشكل محبب وبسيط تظهر المشكلة التي تود الأم حلها على أنها المشكلة التي يواجهها بطل الحكاية.
o جمع الصور والأصوات والموسيقى المناسبة للقصة
o دمج القصة مع الوسيلة المرئية والسمعية التي اختيرت
وعبر هذا البناء يستطيع الأب أو الأم أن يعالجوا مشكلة يواجهوها بشكل بسيط وقريب لعالم طفلهم.
 

نور الصباح حسن فرحات

 
 

09:44  /  2015-12-30  /  4736 قراءة





إختبر معلوماتك