Facebook Twitter Addthis

التصنيفات » البرامج » الصحة النفسية » تثقيف نفسي

الحساب المصرفي العاطفي

في إحدى الورش التدريبية حول العلاقات الإنسانية انبرى احد الأشخاص ليقص معاناته مع زوجته التي اعتبر أنها أوصلته الى الحد الذي يستحيل العيش معها .فهي دائمة البحث والتدقيق عن من رأيت اليوم أو مع من تحدثت ،حتى في المنزل عند ورود أية اتصال هاتفي يبدأ التحقيق معي من ، ماذا ، كيف... وهكذا. لم اعد قادراً على التحمل. فجاءه الجواب :إن كنت تبحث عن الحل بصدق انظر قبل كل شيء الى نفسك فالحل بيدك وليس بيدها هي ....
 
ماذا يعني لكم هذا ؟ يعني أن السيطرة على الذات والتنظيم الذاتي هو الأساس الأول للعلاقات الجيدة مع الآخرين من هنا " عليك أن تعجب نفسك قبل أن يعجب بك الآخرين"
وهذا يدل على نقطة أساسية وهي أن لم تكن لديك السيطرة على نفسك ولم تكن لديك السيادة على نفسك فمن الصعب جداّ أن تعجب نفسك إلا في بعض الحالات قصيرة المدى والمصطنعة.
قد نواجه في حياتنا العديد من الآلام والاحباطات والعوائق التي تقف في طريق نجاحاتنا وسعادتنا لأنها حادة جداً ، سنشعر في الكثير من الأحيان بالقلق وبعدم الراحة وقد نتخذ بعض الخطوات التي تخفض من آلامنا لبعض الوقت . 
إذا صادفتنا المشاكل في تقاطعاتنا مع الآخرين فنحن نود الهروب أو معالجة الاعتراض ببعض الإسعافات الأولية لأننا لا نعلم أن آلامنا ناجمة عن مشكلة صعبة، والى أن نتوقف عن معالجة الأعراض ونبدأ بمعالجة المشكلة نفسها فان كل جهودنا سوف تذهب سدى ولن تنجح إلا في التعتيم على الألم العضوي.لذا فنحن بحاجة لعلاقات تجعل من النتائج حقائق ساطعة  فكيف نصل الى هكذا علاقات فعالة. هنا يأتي الإيداع في حسابنا المصرفي العاطفي فكيف يكون ذلك:


الحساب المصرفي العاطفي:
جميعنا نعلم ما هو الحساب المصرفي، فنحن نضع ودائع معينة في هذا الحساب، كي نبني لأنفسنا مدخرات مالية تسمح لنا بسحب المبالغ التي نحتاج إليها. أما الحساب المصرفي العاطفي فهو شبيه بالحساب المصرفي ولكن بكل بساطة تكون المدخرات ودائع عاطفية تنمي العلاقات الفعالة بين الأشخاص. هذه المدخرات هي التي تشعرنا بالأمان الذي نعتمد عليه في علاقتنا مع الآخرين. فان قمت بوضع بعض الودائع في حسابك المصرفي العاطفي من خلال الاحترام واللطف والنزاهة الالتزام معك. أكون بذلك قد أسست لازدياد ثقة الآخرين بي ومنها استطيع اللجوء الى تلك الثقة في أي وقت اشعر بالحاجة الى ذلك 
كيف تؤثر انخفاض الودائع الحسابية العاطفية  على مسار حياتنا: 
العديد من العائلات، المؤسسات والعديد من الزيجات مليئة بالإحساس بالظلم وعدم تفهم الآخر مع انخفاض الثقة في العلاقات. فإذا لم نعتني باحتياطي الثقة ولم نضف إليه الودائع اللازمة فان زواجنا سوف ينهار ،وبدلاً من التفهم الفوري والتواصل الغني يتحول الوضع الى حالة من اللاتلاؤم،حيث يحاول كل منا العيش مستقلاً عن الشريك أو الصديق في علاقة تشوبها قلة الاحترام والتي قد تتطور فيها العلاقة لاحقاً الى علاقة عدائية ودفاعية. وتنتهي الأمور الى حرب باردة في المنزل لا يلجمها إلا وجود الأبناء والحاجات الخاصة والضغط الاجتماعي  رغبة في الحفاظ على ماء الوجه.
ولتوضيح الصورة نطرح المثال التالي:
" افترض أن لديك ابناً مراهقاً وان حديثك الاعتيادي معه من نوع: نظف غرفتك ، أغلق أزرار قميصك، اطفىء المذياع أو المسجلة ...فتأكد انه وخلال فترة قصيرة من الزمن سوف تتجاوز السحوبات جميع الودائع. وافترض هنا إن الابن بصدد القيام ببعض القرارات المهمة في حياته، وكون إن مستوى الثقة بينكما منخفض والتواصل مغلق وغير فعال بحيث انه لن يفكر باستشارتك برغم وجود الحكمة والمعرفة لديك  التي قد تجنبه الوقوع في الكثير من المشاكل وحسابك العاطفي مغلق معه، فسوف ينتهي به الأمر الى اتخاذ قرارات قد تؤدي به الى نتائج سلبية. 
من هنا نتوجه إليك أيها الوالد أن تبدأ بإدخال بعض الودائع في علاقتك معه. قد تكون الفرصة مؤاتية للبدء بقليل من اللطف كأن تجلب له إحدى المجلات التي تستهويه أو ربما تساعده بعمل يقوم به ، وقد تكون احد أهم الودائع هو أن تستمع إليه، دون إصدار الأحكام أو الوعظ أو حتى قراءة سيرتك الذاتية( انا وصغير كنت مثال الطفل الوديع ، كنت أطيع أهلي ولا استرجىء النظر الى عيونهم...)
فالمطلوب منك فقط ان تستمع وتحاول الفهم ، دعه يشعر باهتمامك واحترامك له كأنسان . قد لا يستجيب لك في البداية ويساوره الشك والريبة ويبدأ بالتساؤل : ماذا يكمن وراء تصرف ابي أو أمي ، ماذا يحاول ان يفعل معي هذه المرة . ولكن الودائع لا تزال تدخل في حسابه وتبدأ بالازدياد. ولا بد للأب من التذكر دوما ان الحلول السريعة ليست إلا سراباً ، وان بناء العلاقات أو ترميمها يتطلب الكثير من الوقت ، وإذا أظهرت قلة الصبر إزاء عدم استجابتها الأولية فقد تسحب بذلك الكثير من احتياطك معه فتبدأ بالقول " بعد كل الذي فعلناه معك ومن أجلك والتضحيات التي قمنا بها كيف يمكن ان تكون ناكراً للجميل / نحاول ان نكون لطيفين معك وأنت تعرف هذا ........وأنا بدوري أقول لك انه من الصعب الاحتفاظ بالصبر طويلاً ومن هنا عليك ان تركز على دائرة تأثيرك وان تغذي الأمور المتنامية وليس ان تقطع الأوراق كي ترى أين هي الجذور.

 ستة ودائع أساسية لتعزيز الحساب المصرفي
إليك عزيزي القارئ أنواع من الودائع التي تقوم بتعزيز حسابك المصرفي عند الآخرين:
1.تفهم الفرد : من أهم الودائع التي تستطيع القيام بها هو محاولة فهم الشخص الأخر ، وهو مفتاح أية وديعة أخرى لن تستطيع  ان تعلم ماذا تعني أية وديعة للشخص الأخر ان لم تفهمه جيداً.
 2.التفات الى الأمور الصغيرة:اللطف والمجاملة مهمان جداً مهما كان حجمهما . أما عدم اللطف والاحترام فيشكلان سحوبات ضخمة ،وقد لا يشعر الفرد منا بان الأمور التي تعتبر صغيرة وغير ذات أهمية هي بالنسبة للآخر قد تشكل شيئاً عظيماً.
3. الحفاظ على الالتزامات: إن الوفاء بالوعود والحفاظ على أي التزام يشكل وديعة مهمة والعكس صحيح فعدم الوفاء بالعهد يشكل سحوبات ضخمة وليس هناك اشد وقعاً على الإنسان من أن نعده بشيء مهم له ثم لا نفي بهذه الوعود. 
4. توضيح التوقعات:
إن اغلب الصعوبات في العلاقات ينبع من التوقعات التصادمية والغامضة للأدوار والأهداف سواء كنت تعمل على حل مسألة ما في عملك ، أم كنت تتواصل مع أبنائك أو زوجتك فمن المؤكد أن التوقعات غير الواضحة سوف تقود الى سوء الفهم والخيبة وسحوبات في الثقة.وهذا ما يحصل عند الأزواج ومن هنا لا بد من ذكر أمر مهم وهو أن توضيح التوقعات أحيانا يحتاج الى شجاعة كبيرة ويبدو من الأسهل علينا التصرف وكأن الخلافات ليست موجودة بدلاً من مواجهة هذه الخلافات والعمل سوية للوصول الى توقعات مشتركة ومتفق عليها.

5.إظهار التكامل الذاتي:
 افترض إنني وأنت نتكلم لوحدنا ، ونقوم بانتقاد احد الزملاء أو المدراء بالشكل الذي لا نجرؤ على القيام به لو كان حاضراً . أريدك ان تتصور إنني لو اختلفت أنا وأنت يوماً ، أنت سوف تعلم إنني سوف انتقدك مع شخص آخر سوف أجاملك من الأمام وأطعنك من الخلف ؟من هنا أقول لك أن هذه الازدواجية تضع بعض الثقة في الشخص الآخر لكنها في الحقيقة تشكل سحب كبير لهذه الثقة لأنها توصلك الى الشعور بعدم التكامل الذاتي.
6.الاعتذار بنزاهة عن الخطأ:
عندما نقوم بسحوبات من الحساب المصرفي العاطفي علينا الاعتذار بنزاهة تامة، باعتبار أن الودائع الكبيرة تأتي من الكلمات الصادقة " كنت مخطئاً " كان هذا غير لطيف من قبلي" على الإنسان أن يمتلك نفسه وان يشعر بالأمان الداخلي مع مبادئه الرئيسية كي يستطيع الاعتذار بصدق ولا يستطيع من لا يشعر بالأمان الداخلي أن يفعل ذلك لأنه يشعر بالهشاشة ،ويظن انه عند الاعتذار سوف يبدو ضعيفا ويخشى أن يستغل الآخرون هذا الضعف . ولا بد من معرفة أن الاعتذار الصادق هو وديعة مهمة أما الاعتذارات المتكررة التي تبدو صادقة فهي تشكل سحوبات.

7.قوانين الحب وقوانين الحياة:
عندما نعيش على قوانين الحب الأساسية فإننا بذلك نشجع الآخرين أن يعيشوا بالمثل ، فنحن عندما نحب الآخرين من أبناء وزوج أو زوجة ، أصدقاء وغيرهم بصدق ودون شروط فإننا نساعدهم على الشعور بالأمان وتقدير قيمتهم الحقيقية فيزداد نضوجهم الطبيعي ويصبح من الأسهل عليهم أن يتعايشوا مع قوانين الحياة وهذا لا يعني أن نصبح متسامحين وناعمين فهذا بحد ذاته سحب هائل قد نستشير ونشير ونعتذر ونتواضع ، نصنع الحدود والنتائج لكن قبل كل شيء علينا أن نحب رغم كل شيء.

من هنا عزيزي القارئ بعد إن وضعنا في أذهاننا مسلمة الحساب المصرفي العاطفي، أصبحنا بذلك قادرين للنجاح مع أي علاقة قد نفتحها مع الآخرين سواء الأبناء أو الأزواج والزوجات. سوف نرى مع مرور الأيام كيف أصبحنا نمتلك التواصل الفعال.
 

 
 

10:33  /  2015-12-10  /  4683 قراءة





إختبر معلوماتك